القرآن حياة
مدارسة القرآن الكريم والعيش في رحابه نعيم لا يعدله نعيم ، ولذة لا تدانيها لذة، والخاسر حقا من فقد ذلك النعيم، فخلا يومه من القرآن الكريم، وفقدت أعماله ومناشطه وحياته آثار أنواره ومباهج هداياته.
ولذلك حصر النبي صلى الله عليه وسلم الخيرية في هذه الأمة في متعلم القرآن ومعلمه ، فقد روى البخاري عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" خيركم من تعلم القرآن وعلمه".
واستفاضت الأحاديث النبوية الكريمة المبينة فضل الحياة مع القرآن ، فمنها ما رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة لا ريح لها وطعمها مر". وفي رواية:" مثل الفاجر" بدل المنافق".
والأجر على التلاوة والحفظ والترداد والتكرار يضاعف حسناتك ويرفع قدرك عند خالقك سبحانه وتعالى، فقد روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف". قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وقد روي موقوفا.
وروى مسلم عن عقبة بن عامر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة، فقال:" أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين «أي سمينتين عظيمتي السنام» في غير إثم ولا قطع رحم" فقلنا: يا رسول الله، كلنا نحب ذلك، قال:" أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيَعْلَمَ أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتينن، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل".
ورتب الله سبحانه وتعالى على مدارسة القرآن خيرا عظيما وفضلا كبيرا يخبر عنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده".
وروى الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يجئ القرآن يوم القيامة فيقول يا رب حله، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده، فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارض عنه، فيرضى عنه، فيقال له اقرأ وارق ويزاد بكل آية حسنة". قال الترمذي: حديث صحيح.
وروى أبو داود عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها".
ولعلك تعجب حين تقرأ مثل هذه الأحاديث الشريفة المنيفة من هذا الفضل الكبير والأجر الجزيل الذي وعد الله به صاحب القرآن وقارئه ومتعلمه ومتدارسه، ولا عجب فإن الله أنزل هذا القرآن الكريم لعباده لهدايتهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور، قال تعالى: ﵟقَدۡ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٞ وَكِتَٰبٞ مُّبِينٞ . يَهۡدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَٰمِ وَيُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِهِۦ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ﵞ [المائدة: 15-16]
فالحياة مع القرآن هي التجارة التي لن تبور كما قال تعالى: ﵟإِنَّ ٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ يَرۡجُونَ تِجَٰرَةٗ لَّن تَبُورَ . لِيُوَفِّيَهُمۡ أُجُورَهُمۡ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ غَفُورٞ شَكُورٞﵞ [فاطر: 29-30]
والسر في ذلك أن القرآن الكريم (روح) كما سماه الله عز وجل في قوله تعالى: ﵟوَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ رُوحٗا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ مَا كُنتَ تَدۡرِي مَا ٱلۡكِتَٰبُ وَلَا ٱلۡإِيمَٰنُ وَلَٰكِن جَعَلۡنَٰهُ نُورٗا نَّهۡدِي بِهِۦ مَن نَّشَآءُ مِنۡ عِبَادِنَاۚ وَإِنَّكَ لَتَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ . صِرَٰطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلۡأُمُورُ ﵞ [الشورى: 52-53]
قال السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: "{وَكَذَلِكَ} حين أوحينا إلى الرسل قبلك {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} وهو هذا القرآن الكريم، سماه روحا، لأن الروح يحيا به الجسد، والقرآن تحيا به القلوب والأرواح، وتحيا به مصالح الدنيا والدين، لما فيه من الخير الكثير والعلم الغزير. وهو محض منة الله على رسوله وعباده المؤمنين، من غير سبب منهم، ولهذا قال: {مَا كُنْتَ تَدْرِي} أي: قبل نزوله عليك {مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ} أي: ليس عندك علم بأخبار الكتب السابقة، ولا إيمان وعمل بالشرائع الإلهية، بل كنت أميا لا تخط ولا تقرأ، فجاءك هذا الكتاب الذي {جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} يستضيئون به في ظلمات الكفر والبدع والأهواء المردية، ويعرفون به الحقائق، ويهتدون به إلى الصراط المستقيم".
فالقرآن الكريم هو الروح الذي تحيا به القلوب والعقول ، وتسميته بهذا الاسم تفيد أن أن الحياة الحقيقية تتوقف عليه ولا تتم إلا به كما تفيد الآية الكريمة، وقد وصفه سبحانه وتعالى في الآية نفسها بأنه (نور) يختص الله به من يشاء من عباده فيضيء لهم به الطريق وينير لهم به السبيل، ويرشدهم به من العمى، وينقذهم به من الضلالة، فالحياة بدون القرآن ليست حياة وان كان صاحبها يأكل ويشرب ويتنفس ويمشي على الأرض.
وقد ضرب الله المثل للفرق بين الحياتين: حياة بالقرآن وحياة بغير القرآن، فقال تعالى: ﵟأَوَمَن كَانَ مَيۡتٗا فَأَحۡيَيۡنَٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورٗا يَمۡشِي بِهِۦ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيۡسَ بِخَارِجٖ مِّنۡهَاۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلۡكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَﵞ [الأنعام: 122]
قال ابن عباس -رضي الله عنهما -في تفسير هذه الآية: "(أو من كان ميتًا فأحييناه) ، يعني: من كان كافرًا فهديناه= (وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس) ، يعني بالنور، القرآنَ، من صدَّق به وعمل به= (كمن مثله في الظلمات) ، يعني: بالظلمات، الكفرَ والضلالة".
فالقرآن الكريم هو النور الذي يهدي الله له من يشاء من عباده، فيحيون به في نعيم معجل وسعادة وفوز في الدنيا ، وما ينتظرهم عند الله من الجزاء والأجر والثواب ما لا يعلم قدره وجزاء إلا الله سبحانه وتعالى، ويكفي في بيان شيء من ذلك النعيم أن نسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها الذي رواه مسلم: " الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتعتع فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ"
والمراد بالتعتعة كما يقول الإمام القرطبي رحمه الله: "التَّرَدُّدُ فِي الْكَلَامِ عِيًّا وَصُعُوبَةً، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ أَجْرَانِ مِنْ حَيْثُ التِّلَاوَةِ وَمِنْ حَيْثُ الْمَشَقَّةِ، وَدَرَجَاتُ الْمَاهِرِ فَوْقَ ذَلِكَ كُلِّهِ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ الْقُرْآنُ مُتَعْتَعًا عَلَيْهِ، ثُمَّ تَرَقَّى عَنْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ شُبِّهَ بِالْمَلَائِكَةِ".
ما أجمل هذا الكلام وما أحلاه، وهل يبقى مسلم بعيداً عن القرآن بعد ذلك؟ إن كانت قراءة القرآن شاقة عليك وتجد صعوبة في ضبط حروفه وأحكامه فأنت بذلك تفوز بمضاعفة الأجر حتى تتقن القراءة وينساب القرآن على لسانك كالماء الجاري فترتقي بذلك حتى تشبه بالملائكة الكرام البررة.
ونحن في منصة (سبل) نوفر لك بفضل الله ومشيئته تعليماً متميزاً للقراءة والتلاوة يجتاز بك مرحلة (التعتعة) ويرتقي بك إلى أن تكون ماهرا بالقرآن متقنا له بفضل الله تعالى.
فهيا أخي المسلم وهيا أختي المسلمة ... نحن في انتظاركم لتغنموا وتسعدوا وتفوزوا في ديناكم وأخراكم